لا يمكن لبشر مهما بلغ من الصلاح والتقوى والهدى .. أن يصل إلى مرتبة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ..
وقد يظن السالك في طريق الاستقامة أن الالتفات للدنيا مذموم على كل حال .. فينتقد من يشتغل بالتجارة أو الكسب أو من يتمنى من الله تعالى الرزق الوافر الرغيد في هذه الدنيا ..
وقد تضيق النظرة أيضًا وتزداد المجانبة عندما يفضل العزلة والوحدة على الإطلاق لجميع الناس باعتبار أنها أصلح للقلب وأقرب لإتقان عبادة الرب جل وعلا ...
بل قد يلوم من يحرص على وجود النسل وعلى التمتع بزينة الحياة الدنيا ..
ومثل هذه النظرة لا تقتصر على أنها انحراف في فكر صاحبها وضيق في نظرته للإسلام، وقصور في فهم الدين والنظرة إلى الحياة الدنيا وموقف الإسلام منها ..
بل إنها تزداد وتمتد ليصيب الآخرين منها سهم النقد اللاذع في أفعالهم والتي هي في عين الناقد تمتع بالدنيا على حساب الدين .. وانصراف إليها وخروج عن الإطار الصحيح في التعامل مع الحياة ..
وليس العجب من كل ذلك .. بل العجب أن يدلل صاحب هذه النظرة ويجلب النصوص لتصحيح ما رآه وتثبيته .. فيسرد لك الأدلة الكثيرة في الحث على الزهد في الدنيا والتقلل منها واعتزال الناس عند كثرة المنكرات وإعجاب الله تعالى بالراعي الذي يؤذن على تل ليس معه أحد ثم يقيم ويصلي ..
ثم ينقل لك أقوال العلماء والحكماء والزهاد والوعاظ في الحث على الزهد في الدنيا والتقلل منها ..
ثم يزيد الطين بلة حينما ينتقد المصلح على جمعه للمال ولو أراد به خيرًا ...
ونحن إزاء ذلك كله نقول: ألم يقل الله تعالى: (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) (واستعمركم فيها) وقال: (إني جاعل في الأرض خليفة) ..
فإذا كان المسلم مستخلفًا في الأرض ومطلوب منه عمارتها .. فكيف يمكنه ذلك وهو على رأس جبل يرعى غنيماته ..!! أو هو في زاوية بيته معتزلًا للناس .. !! ..
بل كيف سيقيم الدول ويصلح الطرق ويشيد المساجد ويبني الجامعات إن لم يكن لديه من المال ما يكفي لذلك ؟! ..
وإذا كنا مطلوب منا أن نكون فقراء وكان أتقى الناس هو أفقرهم فلماذا إذن نؤمر بالضرب في الأرض والسعي في مناكبها لطلب الرزق ؟!..
وإذا كنت أنت الفقير فكيف يمكنك أن تسد حاجات الفقراء وتلبي رغبات المساكين والأرامل ..
لا شك أن النظرة إلى جانب الزهد وحده واعتبار أنه هو الزهد الظاهر بترك المال هو مجانبة للحقيقة في تفسير الزهد ..
فقد يتمنى الداعية المال الكثير لأجل الإنفاق والإصلاح وقد ثبت في الحديث أن المنفق والمتمني لفعل ذلك أجرهما سواء .. فالمتمني إذن ممدوح وله أجر ..
ولا يشك مسلم أن الأنبياء والرسل قد وصلوا إلى غاية الزهد .. وها نحن نقف أمام نماذج من رغبات أو أشباهها قد يظن الظان أنها منافية للزهد ..
فهذا زكريا عليه السلام يقف في المحراب وينادي ربه (رب هب لي من لدنك وليًا) ويقول: (رب لا تذرني فردًا وأنت أرحم الراحمين) ..
أوليس الولد من متاع الدنيا .. لكن إذا كان الدعاء كهذا الدعاء والمقصد كمقصده عليه السلام من الولد فإنه من أعظم المطلوبات ..
وها هو موسى عليه السلام يقول: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) ..
وها هو سليمان عليه السلام نبي ملك وله من الجنود ما لم يتوفر لأحد من الملوك وقد ورد أنه تزوج بمائة امرأة أفتظن أنه ليس بزاهد ..
وها هو يعقوب عليه السلام يحزن لفراق ابنه ويتمنى رؤيته حتى يذهب بصره .. أفيكون هذا منافيًا لرغبته في الآخرة وزهده في متاع الدنيا الزائف ..
وها هو محمد عليه الصلاة والسلام يبكي لفراق ابنه إبراهيم عليه السلام .. فهل يجوز أن يظن المسلم أن هذا لا يتوافق مع الزهد ...
ولو ذهبت في عد التجار من الصحابة وأصحاب الأموال من العلماء والمجاهدين لعجزت في العد .. واقرأ في السير كم صحابي مات وهو غني .. أفليسوا هم أزهد البشر بعد الأنبياء عليهم السلام ..
إن الأمر في ذلك يعود لنية الإنسان ومقصده من عمله .. فرب فقير لو وجد المال لأنفقه فيما يضر نفسه ودينه ومجتمعه .. ورب غني أنفع للأمة من كثير من الفقراء الذين تركوا المال زهادة فيه ...
ولست أدعو إلى أن نهتم بالمال على حساب ديننا بل إننا لا بد أن نعيش عصرنا لا سيما كمؤسسات دعوية .. فإن المال الآن هو عصب الحياة وقلبها .. وإن الحرب الاقتصادية الآن قد تكون أقوى من حرب السلاح أو هي الموجهة لها ..
وليس معنى ذلك أن المال وحده هو سبيل النصر بل إن النصر أولًا هو الانتصار على النفس والاعتزاز بالله تعالى .. وتحقيق العبودية له تعالى ..
ومن العبودية الإنفاق في وجوه البر ودعم المؤسسات الدعوية واستمرار الخير وكيف يمكن ذلك لو كنا نتعبد بالفقر ...!!. الزهد والدنيــــا... نظرة في مصطلح الزهد
الزهد والدنيـــا... نظرة في مصطلح الزهد
لا يمكن لبشر مهما بلغ من الصلاح والتقوى والهدى .. أن يصل إلى مرتبة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ..
وقد يظن السالك في طريق الاستقامة أن الالتفات للدنيا مذموم على كل حال .. فينتقد من يشتغل بالتجارة أو الكسب أو من يتمنى من الله تعالى الرزق الوافر الرغيد في هذه الدنيا ..
وقد تضيق النظرة أيضًا وتزداد المجانبة عندما يفضل العزلة والوحدة على الإطلاق لجميع الناس باعتبار أنها أصلح للقلب وأقرب لإتقان عبادة الرب جل وعلا ...
بل قد يلوم من يحرص على وجود النسل وعلى التمتع بزينة الحياة الدنيا ..
ومثل هذه النظرة لا تقتصر على أنها انحراف في فكر صاحبها وضيق في نظرته للإسلام، وقصور في فهم الدين والنظرة إلى الحياة الدنيا وموقف الإسلام منها ..
بل إنها تزداد وتمتد ليصيب الآخرين منها سهم النقد اللاذع في أفعالهم والتي هي في عين الناقد تمتع بالدنيا على حساب الدين .. وانصراف إليها وخروج عن الإطار الصحيح في التعامل مع الحياة ..
وليس العجب من كل ذلك .. بل العجب أن يدلل صاحب هذه النظرة ويجلب النصوص لتصحيح ما رآه وتثبيته .. فيسرد لك الأدلة الكثيرة في الحث على الزهد في الدنيا والتقلل منها واعتزال الناس عند كثرة المنكرات وإعجاب الله تعالى بالراعي الذي يؤذن على تل ليس معه أحد ثم يقيم ويصلي ..
ثم ينقل لك أقوال العلماء والحكماء والزهاد والوعاظ في الحث على الزهد في الدنيا والتقلل منها ..
ثم يزيد الطين بلة حينما ينتقد المصلح على جمعه للمال ولو أراد به خيرًا ...
ونحن إزاء ذلك كله نقول: ألم يقل الله تعالى: (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) (واستعمركم فيها) وقال: (إني جاعل في الأرض خليفة) ..
فإذا كان المسلم مستخلفًا في الأرض ومطلوب منه عمارتها .. فكيف يمكنه ذلك وهو على رأس جبل يرعى غنيماته ..!! أو هو في زاوية بيته معتزلًا للناس .. !! ..
بل كيف سيقيم الدول ويصلح الطرق ويشيد المساجد ويبني الجامعات إن لم يكن لديه من المال ما يكفي لذلك ؟! ..
وإذا كنا مطلوب منا أن نكون فقراء وكان أتقى الناس هو أفقرهم فلماذا إذن نؤمر بالضرب في الأرض والسعي في مناكبها لطلب الرزق ؟!..
وإذا كنت أنت الفقير فكيف يمكنك أن تسد حاجات الفقراء وتلبي رغبات المساكين والأرامل ..
لا شك أن النظرة إلى جانب الزهد وحده واعتبار أنه هو الزهد الظاهر بترك المال هو مجانبة للحقيقة في تفسير الزهد ..
فقد يتمنى الداعية المال الكثير لأجل الإنفاق والإصلاح وقد ثبت في الحديث أن المنفق والمتمني لفعل ذلك أجرهما سواء .. فالمتمني إذن ممدوح وله أجر ..
ولا يشك مسلم أن الأنبياء والرسل قد وصلوا إلى غاية الزهد .. وها نحن نقف أمام نماذج من رغبات أو أشباهها قد يظن الظان أنها منافية للزهد ..
فهذا زكريا عليه السلام يقف في المحراب وينادي ربه (رب هب لي من لدنك وليًا) ويقول: (رب لا تذرني فردًا وأنت أرحم الراحمين) ..
أوليس الولد من متاع الدنيا .. لكن إذا كان الدعاء كهذا الدعاء والمقصد كمقصده عليه السلام من الولد فإنه من أعظم المطلوبات ..
وها هو موسى عليه السلام يقول: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) ..
وها هو سليمان عليه السلام نبي ملك وله من الجنود ما لم يتوفر لأحد من الملوك وقد ورد أنه تزوج بمائة امرأة أفتظن أنه ليس بزاهد ..
وها هو يعقوب عليه السلام يحزن لفراق ابنه ويتمنى رؤيته حتى يذهب بصره .. أفيكون هذا منافيًا لرغبته في الآخرة وزهده في متاع الدنيا الزائف ..
وها هو محمد عليه الصلاة والسلام يبكي لفراق ابنه إبراهيم عليه السلام .. فهل يجوز أن يظن المسلم أن هذا لا يتوافق مع الزهد ...
ولو ذهبت في عد التجار من الصحابة وأصحاب الأموال من العلماء والمجاهدين لعجزت في العد .. واقرأ في السير كم صحابي مات وهو غني .. أفليسوا هم أزهد البشر بعد الأنبياء عليهم السلام ..
إن الأمر في ذلك يعود لنية الإنسان ومقصده من عمله .. فرب فقير لو وجد المال لأنفقه فيما يضر نفسه ودينه ومجتمعه .. ورب غني أنفع للأمة من كثير من الفقراء الذين تركوا المال زهادة فيه ...
ولست أدعو إلى أن نهتم بالمال على حساب ديننا بل إننا لا بد أن نعيش عصرنا لا سيما كمؤسسات دعوية .. فإن المال الآن هو عصب الحياة وقلبها .. وإن الحرب الاقتصادية الآن قد تكون أقوى من حرب السلاح أو هي الموجهة لها ..
وليس معنى ذلك أن المال وحده هو سبيل النصر بل إن النصر أولًا هو الانتصار على النفس والاعتزاز بالله تعالى .. وتحقيق العبودية له تعالى ..
ومن العبودية الإنفاق في وجوه البر ودعم المؤسسات الدعوية واستمرار الخير وكيف يمكن ذلك لو كنا نتعبد بالفقر ...!! .
موقع الدكتور: فهد مبارك الوهبي